المستقبل الكردي وتَرِكــة مهاباد

المستقبل الكردي وتَرِكــة مهاباد

عبدالباقي يوسف

2017-08-11T19:01:00+00:00

العلاقة بين الإنسان وبين الانتكاسة هي علاقة وثيقة، حيث تتحوّل الانتكاسة إلى الجرح الذي يبقى أثره مهما مرّت عليه السنوات. لكن تكمن البطولة عندما يستطيع هذا الإنسان أن يتجاوز هذه الانتكاسة بالفعل، ويصنع له مستقبلاً جديداً وهو يقف على أنقاض هذه الانتكاسة.

الانتكاسات التي يتعرض لها الناس تترك أثراً سلبياً في مسيرة حياتهم القادمة بعد ذلك، فيلبثون أسرى تداعيات ما نجم عن تلك الانتكاسات، يلاحقهم رعب عودتها إليهم، حتى يعيق تقدمهم في الكثير من أبواب الحياة، ويبقى الوجوم مسيطراً على سيماهم.                                                                                  إنه كائن مسكون بشبح النكسة المروعة، التي تعرّض لها، وهزّت له أركان ومقومات حياته.

تختلف الانتكاسات التي يتعرض لها الأفراد بصفة فردية، أو العوائل بصفة عائلية، أو القوميات بصفة قومية، في مستوياتها ومفرزاتها، بيد أن ثمة خيط يربط بين هذه الانتكاسات في درجاتها الثلاث، لكن رغم كل ما يمكنه أن ينجم عن آثار هذه الانتكاسات، فيمكن للفرد أو العائلة، أو القومية، أن تسعى شطر الخلاص، وتنفض عن نفسها وبال هذه النكسة، فتكون بذلك أعاقت تحويل هذه النكسة إلى عقدة مزمنة في كينونتها.

لقد أُصيبت القومية العربية بـ(نكسة حزيران)، التي تمخّضت عن الهزيمة المروعة التي مُني بها العرب في حربهم مع إسرائيل، الأمر الذي دفع بـ(عبد الناصر) إلى هوة الهزيمة السيكولوجية، التي لم يستطع معها سوى أن يعاقب نفسه، مع الضباط الذين انهزموا في الحرب، وينتهوا جميعاً إلى السجن، كعقاب لهم على دخول حرب لم يكونوا مؤهلين لها، ومن جهة أخرى كاعتذار للمشاعر القومية العربية، بيد أنه عدل عن قراره، وعاد إلى ممارسة قيادته، لكن هذه المرة مع ضباط منتكسين، وبقايا جيش مهزوم، وشعب مهتز. وأعتقد أن (عبد الحكيم عامر) كان من أبرز ضحايا تلك الانتكاسة، سواء أكان قد انتحر فعلياً، أو نُحر. ولا أريد لأحد أن يقنعني بأن (عبد الناصر) القائد ما بعد الانتكاسة، هو (عبد الناصر) القائد ما قبلها، أجل لقد عاد الرجل هذه المرة بشخصية الزعيم المهزوم، وبكاريزما القائد المهزوم، وهي كاريزما خافتة، على كل حال، لمن يتوسّم فيها في وجهَي المقارنة.

أردّتُ بذلك أن أمهّد للحديث عن تعرض الأكراد إلى هذه النكسة المروعة، والهزيمة التي مُنيوا بها، نتيجة إسقاط أركان الجمهورية الكردية العتيدة الأولى، بقوة الجيش، سنة 1946، عن عمر 11 شهراً، وخلع رئيس أول جمهورية كردية بقوة السلاح، ووضعه على حبل المشنقة، وإعدامه على مرآى من العالم، والسيطرة على أرض الجمهورية المنهارة، وشعبها.

لقد تَرَكَت هذه النكسة المروعة آثارها على المشاعر القومية للأكراد، وأطفأت لدى الكثيرين حتى الحلم بعودة تلك الجمهورية. على هذه النحو بات الأكراد يبكون أنفسهم ويرثونها، وهم فوق ذلك يتعرضون لأقسى ألوان الاضطهاد القومي، في جهاتهم الأربع، حيث استقوت عليهم الأمم، على قاعدة أن الجَمَل عندما يقع، تتكاثر عليه السكاكين، فتكاثرت السكاكين على الكرد، في محاولات لصهرهم في قوميات أخرى لدى البعض، والقيام بعمليات إبادة جماعية لدى بعض آخر، والتضييق عليهم للهجرة لدى آخرين.

لقد لبثت آثار هذه الهزيمة متلازمة مع الزعماء الكرد، بحيث باتوا لا يطالبون سوى بحقوق ثقافية، واجتماعية، وهذه ذروة ما يمكنهم المطالبة به. لكن الأطراف الأخرى باتت تنظر إلى أن الحقوق الثقافية هي باب يؤدي إلى حكم ذاتي، والحكم الذاتي هو تمهيد لإعلان دولة مستقلة.

إنها التَرِكة التي لبثت مهيمنة بجَبَروتها وآثارها على غالبية الزعماء الكرد، يطاردهم شبح (القاضي محمد) وهو معلّق من رقبته، إذا هم أقدموا على خطوة تمردية كهذه، حتى لو عاش الاستقلال سنة كاملة. وكما أن نكسة العرب التاريخية أمست بُعبُعاً تُخيفهم به إسرائيل، تحولت نكسة جمهورية مهاباد إلى بُعبُع يتم تخويف الأكراد به، من قِبل الجاثمين على دياره.

لبث الكرد حتى هذا التاريخ بحاجة إلى زعيم شجاع، تكلله القومية الكردية بطلاً قومياً استثنائياً، وهو ينزع عن نفسه براثن النكسة، ويتحرر من قيودها، ويعلن بكل شجاعة إقامة هذا الحق التاريخي العادل لحفدة الكرد.

لعل ذلك يضيء لنا بأن الكرد لن يكون بوسعهم أن يكونوا أقوياء إلاّ ببعضهم البعض، ولن يكونوا واهنين إلاّ ببعضهم البعض.                                          إن (جمهورية مهاباد) عندما كانت قائمة، كانت تبث القوة إلى عامة الكرد، أينما كانوا، وحيثما وجدوا، وعندما انهارت، بثت إليهم مشاعر الهزيمة والوهن، أينما كانوا، وحيثما وجدوا. وهذا يأتي في الوقت الراهن إلى إقليم كردستان، الذي هو قوة تشد ظهر الكرد، أينما كانوا، وكلما كان الإقليم قوياً، قوي الكرد، وكلما كان الإقليم واهناً، وهن الكرد.

 

 

 

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon