هل أخافت "فوضى الربيع العربي" كنائس العراق ودول عربية أخرى؟

هل أخافت "فوضى الربيع العربي" كنائس العراق ودول عربية أخرى؟
2021-03-31T07:55:50+00:00

شفق نيوز/ رصد موقع "الديموقراطية المفتوحة" الاميركي الاختلافات في مواقف زعماء الكنائس في الشرق الاوسط وشمال افريقيا ازاء "الربيع العربي" منذ بدايته في العام 2011، مشيرا الى أن كنائس مصر وسوريا ابدت معارضتها لحركات الاحتجاج، فيما كنائس العراق ولبنان كانت مؤيدة للموجة الثانية من الاحتجاجات الشعبية منذ العام 2019 باعتبار ان غياب الاصلاح السياسي يعني ان المسيحية لا مستقبل لها في المنطقة. 

وفي العام 2011، طلبت الكنيسة القبطية في مصر من اتباعها عدم المشاركة في تظاهرات 25 يناير ضد نظام حسني مبارك. وقال الاسقف مرقص الذي كان مسؤولا عن لجنة الاعلام التابعة للكنيسة، ان "هذه التظاهرات غير معروفة الهدف، ونحن لا نعرف تفاصيلها ومن يقف خلفها"، مضيفا ان الكنيسة الارثوذكسية تناشد ابناءها الا ينساقوا خلف دعوات المشاركة في التظاهرات. 

وفي سوريا، اصدر مجلس الاساقفة في دمشق بيانا في 11 مارس/اذار 2011، يؤكد على ان "ما يجري مؤامرة خارجية" شارك فيها لاعبون داخليون ومنصات اعلامية "خبيثة" تحاول تشويه الصورة المشرقة التي تتمتع بها سوريا في الداخل والخارج. 

وفي الموجة الثانية من التظاهرات في المنطقة والتي بدأت العام 2019، خاصة في العراق ولبنان، فانها تلقت دعما أكبر من زعماء الكنائس في البلدين. ففي العراق، زار البطريرك الكلداني لويس ساكو موقع الاعتصام الرئيسي في ساحة التحرير في بغداد واعرب عن تأييده لمطالب المتظاهرين قائلا ان "عراقا جديدا يولد". 

وفي اكتوبر 2019، أصدر زعماء الكنائس المارونية والكاثوليكية والارثوذكسية والانجيلية في لبنان، بيانا مشتركا يعبرون فيه عن تضامنهم مع الانتفاضة السلمية، فيما دعا اسقف بيروت بول عبد الساتر خلال قداس في فبراير 2020، بحضور رئيس الجمهورية ميشال عون وغيره من كبار المسؤولين، الى الاستماع لمطالب المتظاهرين مضيفا انه بخلاف ذلك، فان الموقف المشرف للمسؤولين يجب ان يكون بالاستقالة. 

وبرغم مواقفهم السياسية المختلفة، فان زعماء الكنائس في هذه الدول الاربع يتشاركون في مصادر القلق نفسها عندما يتعلق الامر بالتغيير السياسي في المنطقة. 

واولا، هناك الخوف من الفوضى وتداعياتها على سلامة مجموعات الاقلية كالمسيحيين. وبناء على ذلك، بالنسبة الى الكنيسة، فان الدولة السلطوية التي تضع قيودا على المجتمع المسيحي، تظل افضل من اللادولة بالكامل حيث من المرجح ان تدفع الاقليات الثمن الاكبر. 

وثانيا، هناك الخوف من "الاسلمة" ونتائجها اذا وصلت الجماعات الاسلامية الى الحكم. 

وقاد عاملا القلق السابقان قيادة الكنيسة في كل من مصر وسوريا الى الوقوف في وجه الدعوات للتغيير السياسي في 2011. وفي جانب آخر، فانهما شعرتا بالخوف من ان الانتفاضات الشعبية ستقود الى نفس حالة انهيار الدولة الذي حدث في العراق بعدما تمت الاطاحة بصدام حسين العام 2003. 

ومن جهة أخرى، فان الكنائس اعتقدت ان البديل الاساسي لبشار الاسد في سوريا وحسني مبارك في مصر، سيكون على الارجح، من المتطرفين الاسلاميين لانهم كانوا المعارضة الاكثر تنظيما. وكانت الكنائس تخشى، من ان الاسلاميين المتطرفين ما ان يصلوا الى السلطة، سيقومون بـ"أسلمة" الدولة والمجتمع. ولم يؤدي تزايد نفوذ الجماعات الاسلامية في كلا البلدين، سوى الى تأكيد هذه المخاوف. 

واوضح التقرير ان هذه المخاوف كانت متشابهة بالنسبة للزعماء الدينيين في العراق ولبنان، الا ان عناصر الاختلال في الدولتين بالترافق مع تزايد نفوذ الفصائل الدينية، جعلت زعماء الكنائس يتعاملون مع الموجة الثانية من الانتفاضات الشعبية كفرصة لطرح خيار الاصلاحات السياسية. 

واشار الى ان لدى فضائل الحشد الشعبي موقع مهمين في العراق، كحزب الله في لبنان. 

وفي لبنان، فان النظام الحاكم الان يجمع حزب الله الى جانب كتلة الحزب المسيحي الاكبر في البرلمان، التيار الوطني الحر. الا ان الكنيسة المارونية اعربت عن قلقها من هيمنة حزب الله على الدولة وتحالفاته الاقليمية. واستنادا الى البطريرك الماروني بشارة الراعي واقتراحه حول "الحياد الايجابي"، فان وجود الدولة في خطر في هذه المرحلة من التغييرات السياسية. وتشير وثيقة البطريرك الماروني بوضوح الى الدور المتضخم لحزب الله في حياة الدولة. 

وفي العراق، فان الافتقار الى الامن والدور المتزايد للفصائل المسلحة يؤدي في حالات كثيرة الى تعرض المسيحيين الى القتل والخطف. ومنذ العام 2003، فان 1220 مسيحيا قتلوا في اعمال عنف مختلفة في انحاء العراق، فيما تم الاستيلاء على 23 الف منشأة من ممتلكات المسيحيين، في حين تم تدمير 58 كنيسة. ولا تتضمن هذه الارقام الانتهاكات التي ارتكبها تنظيم داعش خلال السنوات الثلاث التي سيطر فيها على بعض اجزاء البلد. 

وبحسب الموقع الاميركي، فان المسألة في العراق تتجاوز حماية وأمن هوية المسيحيين، وتتعلق بحماية الوجود المسيحي نفسه. وكان هناك نحو 1.5 مليون مسيحي في العراق قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة قبل 18 سنة، يشكلون نحو 6% من السكان. والان يقدر عدد المسيحيين بأقل من ثلث ذلك الاحصاء. 

وهذا الاختلاف الكبير قاد زعماء الكنائس في هذين البلدين، إلى الاعتقاد بان الانتفاضات قد تشكل فرصة لطرح مطالب التغييرات السياسية في البلدين. 

وبرغم ان الكاردينال ساكو خلص الى ان انهاء الطائفية السياسية هي الطريق الوحيد لانقاذ الوجود المسيحي في العراق، فان البطريرك بشارة الراعي يعتقد ان السعي لتغيير النظام السياسي الطائفي في لبنان، قد يؤدي الى خسارة سياسية للمسيحيين الذين ما زالوا يتمتعون بحصة كبيرة في تقاسم سلطة الحكم السياسية. وتسعى الكنيسة المارونية الى تغيير سياسي قد يؤدي الى الحد من الجماعات الطائفية داخل الدولة، من دون الغاء النظام الطائفي برمته. 

وأدرك الزعماء الدينيون في البلدين انه من أجل الدفاع عن المسيحيين، فان التغيير السياسي بات مطلوبا. وفي العراق، فان زعماء الكنيسة يؤيدون بشكل واضح انشاء نظام لاطائفي يضمن الحقوق نفسها لكل المجموعات العرقية والدينية. 

وخلص التقرير الى القول ان سنوات الربيع العربي اظهرت ان التحديات التي تواجه المسيحيين في الشرق الاوسط، لا يمكن التعامل معها بشكل منفصل من دون التعامل مع التحديات التي تواجه المنطقة ككل، مضيفا ان مستقبل المسيحيين مرتبط بشكل قوي بمستقبل الدول نفسها وقدرتها على تبني اصلاحات بنيوية تجعل مؤسساتها اكثر كفاءة، بالاضافة الى اقامة انظمة سياسية اكثر ديمقراطية، وهو ما سيمنح الحقوق المتساوية لكل المكونات العرقية والدينية. 

ومن بين كل زعماء الكنائس في الدول الاربعة، فان الكاردينال ساكو في العراق يبدو الوحيد الذي توصل الى هذه الخلاصة. ومع وصول المواطنين المسيحيين في العراق الى خطر الانقراض، فان الزعماء المسيحيين بامكانهم فقط ان يأملوا ان نظاما سياسيا مختلفا، قد يقنع الشباب على البقاء في وطنهم.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon