لامبالاة العرب أمام كورونا: عدم ثقة بالسلطة أم فقدان الأمل بالمستقبل؟

لامبالاة العرب أمام كورونا: عدم ثقة بالسلطة أم فقدان الأمل بالمستقبل؟
2020-04-01T19:49:13+00:00

شفق نيوز/ فيروس كورونا المسبب لوباء كوفيد-19 الذي يجتاح العالم وسبب شللاً شبه تام لا يظهر خطيراً بالنسبة لكثير من الشعوب العربية، وهو ما ينعكس في التجمعات والزحام وعدم الالتزام بالإجراءات الحكومية ولا تعليمات منظمة الصحة العالمية حتى الآن، فما السبب أو الأسباب؟

حتى اليوم الأربعاء 1 نيسان أصاب الفيروس أكثر من 860 ألف شخص حول العالم وأودى بحياة أكثر من 42 ألفاً، وتوجد حالات مسجلة بين إصابات ووفيات في جميع الدول العربية تقريباً؛ فطبقاً للأرقام الرسمية، سجلت السعودية أعلى عدد من الإصابات عربياً وهو 1563 و10 وفيات، وقطر 781 إصابة وحالتي وفاة، وفي مصر 710 حالة إصابة و46 حالة وفاة، والعراق 694 إصابة و50 وفاة، والإمارات سجلت 664 إصابة و6 وفيات، والمغرب 638 إصابة و36 وفاة، والبحرين 567 إصابة و4 وفيات، ولبنان 463 إصابة و12 وفاة، وتونس 394 إصابة و10 حالات وفاة، والكويت 289 إصابة دون تسجيل أي وفيات، والأردن 274 إصابة و5 وفيات، وعمان 210 إصابات وحالة وفاة واحدة، وفلسطين 119 إصابة وحالة وفاة واحدة، وسوريا 10 إصابات وحالتا وفاة، وليبيا 10 إصابات دون تسجيل أي وفيات، والسودان 7 إصابات وحالتا وفاة، وموريتانيا 6 إصابات وحالة وفاة.

الفيروس إذن موجود داخل كل الدول العربية تقريباً، وقد اتخذت الأنظمة إجراءات متدرجة وصلت الآن إلى فرض حظر تجول شبه كلي في بعض مناطق الأردن، وجزئي في غالبية الدول العربية، ووجه المسؤولين المواطنين بالبقاء في منازلهم لتفادي الإصابة بالفيروس، لكن اللامبالاة والسخرية والنكات لا تزال حاضرة بقوة في بعض الدول العربية، التي تشهد حالات عدم التزام بتدابير الحكومات وتعليمات منظمة الصحة العالمية.

وأبرز تلك التعليمات هو التزام المنازل، ما استوجب فرض حظر تجوال في دول عديدة، ومنع التجمعات العامة وإغلاق المساجد والكنائس والمقاهي، وارتداء القفازات والكمامات، والحفاظ على مسافة مناسبة عند التعامل مع آخرين وجهاً لوجه.

لكن رغم التعليمات، الصادرة عن جهات رسمية ومراجع طبية دولية بارزة، إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي حفلت بمشاهد صادمة تخالف تلك التعليمات، مما طرح تساؤلات عن الدوافع، إن كانت حالة هروب من الواقع، أم فقدان للثقة بالأنظمة الصحية.

ففي العراق تواصلت التجمعات، خاصة في المدن الموجودة بها أماكن مقدسة، حيث أقيمت صلوات، وتم توزيع أطعمة، من دون الاعتبار للتعليمات وحظر التجوال.

وفي سوريا، اصطف مواطنون في طوابير أمام مخابز بانتظار شراء الخبز، أو أمام مصارف لاستلام الرواتب، دون مراعاة للمسافة المطلوبة بينهم وعدم الاحتكاك بالآخرين. وفي مصر، تجمع أناس داخل مكان ما وهم يدخنون النرجيلة ويتسامرون وكأنهم في مقهى، في خرق لمنع التجمعات، وتوجد أمثلة عديدة لهذه الحالات في دول عربية أخرى، في ظل أخبار متكررة عن هروب مصابين من الحجر الصحي، من دون مراعاة للتعليمات، معرضين المجتمع لمخاطر كبيرة. 

الكاتب والباحث العراقي نظير الكندوري يتحدث عن هذه الظاهرة بالقول “من الغريب أن التزام الشعوب العربية بالحجر الطوعي أو الإجباري لا يرتقي إلى مستوى الكارثة، التي يشكلها انتشار الفيروس في العالم والبلدان العربية”، مضيفاً: “تجدهم يتعاملون مع هذا الوباء بلا مبالاة وعدم اهتمام كبير، فتلك الشعوب وصلت إلى مرحلة عالية من عدم الثقة بأنظمتها، وتعتقد أن الدعوات التي توجهها إليها بضرورة المكوث بالبيت أو إتباع الإرشادات الصحية، هي مجرد دعوات كاذبة”، وتابع: هم يعتقدون أن “السلطة تبتغي من دعواتها زيادة سيطرتها على تلك الشعوب، وحال تلك الشعوب في تعاملها مع أنظمتها يشابه القصة الشعبية، وهي قصة الراعي الكاذب، حينما ينادي كذباً بهجوم الذئاب على غنمه، لكنه حينما يكون صادقاً بإنذاره من هجوم الذئاب، لا يصدقه الناس؛ لأنهم لا يثقون به”.

لكن الكاتب المصري ياسر عبدالعزيز يرى أن السبب هو فقدان ثقة الشعوب في الأنظمة، فيقول إنه “بعد اجتياح فيروس كورونا البلاد العربية، سارعت الحكومات والمنظومات الصحية إلى توجيه شعوبها إلى بعض النصائح التي عليها الالتزام بها للحد من انتشار الوباء، ومع ذلك لم تجد تلك النصائح آذان صاغية من الشعوب”.

ويردف عبد العزيز، للأناضول: في المقابل “الناشطون وجهوا النصائح والتعليمات عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال مدوناتهم أو بتسجيل مقاطع مصورة، وهو ما حظي بردود أفعال إيجابية لدى الشعوب، وتداولوها عبر هواتفهم أو حساباتهم الشخصية عبر وسائل التواصل الاجتماعي”.

ويسوغ ذلك بأن “هذه الشعوب أُفقرت منذ استقلالها على يد من حكموها، ولم تعد تستطع تحمل البقاء في البيت من دون عمل، فمعظم شعوب المنطقة، إن لم يكن كلها، تواجه الكثير من الظروف الداخلية الصعبة، وتعاني الأمرّين في البحث عن لقمة العيش”. وتابع: “حدثت عمليات تجهيل وتهميش ممنهجة من جانب تلك الحكومات، ما خلف حالة من اللامبالاة لدى تلك الشعوب، فمثلاً في مصر، استخف النظام بالفيروس في بادئ الأمر وأطلق جوقته من الفنانين والإعلاميين ليسخروا من الوباء، حتى قال أحدهم: (كورونا لو جالنا -جاءنا- مصر إحنا اللي هانجبله – سنصيبه- كورونا)”.

ويعد السوري سمير حافظ، الرئيس الفخري لاتحاد الأكاديميين العرب بتركيا، أن “وضع الشعوب العربية نسبي وخاص، وأيضاً شعوب بلدان العالم الثالث والدول النامية، مع سيطرة حالة من عدم الاكتراث لدى هذه الشعوب”. وأضاف حافظ للأناضول: “أُرجع ذلك لأمرين، ثقافة البلدان الصحية، التي لم تصل إلى أن يعي كل المواطنين هناك، وبنسب عالية، ما يحصل في هذه الحالات والأزمة الحاصلة”. وزاد بأن “النقطة الثانية هي أنه لو راقبنا أكثرية البرامج التلفزيونية والأخبار العالمية في أمريكا أو أوروبا، نلحظ أن هناك دولاً من الغريب أنه لم تصلها الحالة، كروسيا مثلاً.. وعلى البرامج لا نرى إلا كلاماً أو أرقاماً أو تحذيراً ولكن ظهر على تلك البرامج حالات المرضى الحقيقية التي حصلت بالفعل في تلك البلد، لكان هذا أكثر تأثيراً في الشعوب”.

ويشدد حافظ على أن غياب المعلومة الحقيقية يقود الناس إلى “الاعتقاد بوجود مؤامرة داخلية أو خارجية.. نقل صور واقعية ممكن أن يؤثر وفي سوريا فقد الشعب ثقته بكل شيء يصدر عن النظام في دمشق وأصبح لا يبالي لأن الموت أتى كثيراً بنسب عالية خلال السنوات السابقة، فالناس لا تبالي باقتراب الموت من كورونا”.

أحد أساتذة علم الاجتماع في جامعة مصرية يتحدث عن الظاهرة لـ “عربي بوست” – طالباً عدم ذكر اسمه حتى لا يجد نفسه متهماً بترويج شائعات حول الفيروس – يرى أن السبب الرئيسي هو أن “الحكومة تكذب على الناس بصورة فاضحة”، رافضاً وصف سلوكيات البعض باللامبالاة.

“الحكومة فرضت حظر التجول من 7 مساء حتى 6 صباحاً، لكن متطلبات الحياة نفسها لم تتوقف أو حتى تنخفض. البنوك ومكاتب البريد تشهد زحاماً كبيراً ويتم تصوير تلك المشاهد ونشرها على منصات التواصل الاجتماعي، ثم يعرضها الإعلام الذي تسيطر عليه الحكومة تدليلاً على لا مبالاة الناس وجهلهم، دون أن يسأل أحداً عن سبب الزحام. طلاب الصف الأول الثانوي سيخضعون لاختبارات نهاية العام عبر التابلت ولابد لهم من الحصول على شريحة من مكاتب شركة الاتصالات لكن لابد أن يسددوا ثمنها (10 جنيهات) من خلال مكاتب البريد، ولا يمكن لا استلامها ولا تسديد ثمنها أون لاين، فكيف يتصرف الطالب أو ولي أمره؟

“الحكومة أوقفت الدراسة، لكنَّ المدرسين والعاملين مطالبون بالدوام وإلا لن يقبضوا رواتبهم. القطاع الخاص يعمل بشكل طبيعي، والموانئ تعمل بطاقتها القصوى، ومع تطبيق الحظر من الطبيعي أن نرى مشاهد الزحام في القطارات ومترو الأنفاق، فهل هذا جهل أو لا مبالاة من الناس أم غياب تام للحكومة التي اشتبك وزير النقل بها مع مقدم برنامج على القناة الرسمية، لأن الأخير تجرأ وعرض فيديوهات الزحام مطالباً بإيجاد حلول؟”.

“الفيديو الذي انتشر الثلاثاء 31 آذار لمصريين عائدين من الكويت وهم يرددون هتافات رافضة دخول العزل وتم بثه في برامج الحكومة وأثار موجة من الشتائم والسباب ضد هؤلاء العائدين شهدت ما يشبه الحملة العنصرية المدبرة نموذج لما نتحدث عنه. اكتشفنا جميعاً أن الحكومة التي تباهت بأنها اتخذت كل الإجراءات لإعادة المواطنين الراغبين إلى أرض الوطن، لكنّ هؤلاء العائدين من الكويت دفعوا ثمن التذكرة مضاعفاً ليفاجأوا بأنهم مطالبون بالتوقيع على إقرار بتسديد قيمة الحجر الصحي لمدة 14 يوماً في أحد الفنادق، دون حتى أن يعرفوا كم سيضطرون لأن يسددوا وهم عمال بسطاء ربما اقترض بعضهم ثمن تذكرة العودة”.

وختم أستاذ علم الاجتماع كلامه بأن ما يقرب من نصف المصريين يعيش قرب أو تحت خط الفقر ومسألة “خليك في البيت” تجعله يسأل السؤال البديهي، “وآكل منين أنا وولادي؟”، فهل سيصدق الحكومة لو قالت إنها “ستتكفل به؟”، مضيفاً: “ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. لا هي لا مبالاة ولا هي جهل، بل قلة حيلة والسبب أكاذيب الحكومة”.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon