تصعيد وتوتر يرافق ذكرى تأسيس الجيش العراقي

تصعيد وتوتر يرافق ذكرى تأسيس الجيش العراقي
2024-01-06T07:16:45+00:00

شفق نيوز/ باستعراض عسكري في ساحة الاحتفالات الكبرى وسط بغداد، أحيا الجيش العراقي ذكرى تأسيسه الـ103، التي توافق يوم 6 كانون الثاني من كل عام.

منذ أيام ومظاهر الاحتفال لا تتوقف، عبر طلعات للمقاتلات الجوية والمروحيات في سماء العاصمة، كما استكملت الاستعدادات في ساحة الاحتفالات التي تحولت إلى ثكنة لجميع الصنوف (البرية والجوية والبحرية) لاحتضان الاستعراض العسكري الكبير.

أحداث غير مسبوقة

ويأتي عيد الجيش العراقي هذه السنة، بينما تمر البلاد بتوترات أمنية غير مسبوقة بعد أن شهدت أول أمس الخميس استهدافاً أمريكياً لمقر الحشد الشعبي في شارع فلسطين شرقي بغداد، والذي أدى إلى مقتل المسؤول العسكري في حركة "النجباء" مشتاق طالب السعيدي.

وندد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أمس الجمعة، بتكرار الهجمات التي تستهدف مقار الحشد الشعبي من قبل قوات التحالف الدولي المناهضة لتنظيم داعش بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، مجدداً موقف حكومته "الثابت والمبدئي" في إنهاء وجود تلك القوات في البلاد.

لكن خبراء أمنيون وعسكريون واستراتيجيون أكدوا حاجة الجيش العراقي إلى وجود التحالف الدولي في الوقت الحالي، خاصة على مستوى الدعم اللوجستي والجهد التقني الساند، كاشفين عن تحديات كبيرة متعددة ومتنوعة يعاني منها نتيجة الظروف التي مرت بها المؤسسة العسكرية خاصة في العقود الثلاثة الماضية.

محطات الجيش

تأسست أول قوة في الجيش العراقي وكانت تدعى "فوج الإمام موسى الكاظم" في السادس من يناير/ كانون الثاني عام 1921.

وتطور الجيش العراقي على مدى تاريخه وشارك في حروب ونزاعات متعددة مثل حرب عام 1948 التي تلت إعلان قيام "دولة إسرائيل" في فلسطين وحرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، كما انخرط في قمع ثورات داخلية كان أهمها في إقليم كوردستان الذي استمرت لعقود طويلة من الزمن.

وبلغ الجيش العراقي في حقبة الثمانينيات، تصنيفاً متقدماً، بعد إدراجه كسادس الجيوش قوة في العالم، وذلك إبان الحرب مع إيران، التي استمرت لثماني سنوات.

لكن ذلك التصنيف لم يصمد طويلاً، بعد أن قاد صدام حسين الجيش نحو غزو الكويت، ليخرج منها بعد نحو خمسة شهور مرغماً تحت ضربات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة عام 1991.

إلا أن نهاية الجيش العراقي السابق كانت بعد احتلال القوات الأمريكية للعراق في حرب العام 2003 وإصدار رئيس سلطة الائتلاف الأمريكية بول بريمر قراراً بحل الجيش العراقي.

وأعيد تأسيس الجيش العراقي بعد الحرب على أسس مختلفة بعض الشي، حيث بني على أساس التطوع فقط بعد أن كان في السابق يعتمد على التجنيد الإلزامي، فضلاً عن الانخراط طوعاً، وأصبحت المرتبات العالية التي تدفع للجنود والضباط عامل جذب للالتحاق بالقوات المسلحة.

ويقوم الجيش العراقي الحالي بواجبات حفظ الأمن الداخلي بصورة رئيسية، وقد ازدادت أعدادهم في السنوات الأخيرة لتبلغ مئات الآلاف، إلا انه يعاني من قصور في التسليح والتجهيز خاصة فيما يتعلق بحماية سمائه.

جملة تحديات

وفي هذا السياق، قال الخبير الأمني، سرمد البياتي، إن الجيش العراقي لديه قدرات لحماية البلاد لكن ما يحتاجه في هذه الفترة لإتمام الحماية كاملة هي الدفاعات الجوية، والاستطلاع الجوي، وكشف الأهداف الأرضية من الجو، وغيرها من المتطلبات التي تخص حماية سماء العراق.

وأضاف البياتي، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز: "كما يحتاج الجيش العراقي أيضاً إلى تقنيات متطورة تواكب الجيوش العالمية الحديثة".

واتفق مع هذ الطرح، الخبير الاستراتيجي، أحمد الشريفي، الذي أوضح في بداية حديثه أن هناك تحديات كبيرة متعددة ومتنوعة يواجهها الجيش العراقي، على رأسها اخضاع المؤسستين الأمنية والعسكرية إلى المحاصصة التي عقّدت إيجاد استراتيجية ضامنة لتطوير القدرات التسليحية والمهارات القتالية والاستثمار الأمثل للموارد البشرية.

وشرح الشريفي خلال حديثه للوكالة، أن في النظم الديمقراطية تُصنف المؤسسات الأمنية والعسكرية والمالية والخارجية على أنها وزارات سيادية، أي أنها ترتبط باستراتيجيات بعيدة المدى، تفوق السقوف التفويضية الممنوحة للحكومات، فهي أقرب إلى الدولة من الحكومة، لذلك تعد المحاصصة التحدي الأكبر للمؤسسة العسكرية.

ورأى أن "عدم الاستقرار السياسي يجعل المؤسسة العسكرية تتعثر في مسألة التسليح، لأن آليات التسليح مقيدة بالتوازنات السياسية، فضلاً عن الارتقاء بالمهارات القتالية، إذ تُقيد سياسياً عمليات إرسال الدورات خارج العراق، ما يحرم الانتفاع من التنوع التسليحي والتدريبي للمقاتلين، ومن خلق نوعاً من التلاقح الثقافي العسكري من قبل معظم المؤسسات ولاسيما المؤسسات المتطورة، ونقل تجربة حديثة متطورة تقترن بالبعد التقني والمهارات القتالية لمفاهيم الحرب الحديثة".

ولفت الخبير الاستراتيجي، إلى أن المحاصصة قيّدت استراتيجيات تطوير المؤسسة العسكرية، والأبعد من ذلك هو الجهد الساند، حيث ما تزال تفتقر المؤسسة العسكرية إلى الجهد التقني، وهو جهد مهم لا يمكن الاستغناء عنه في ظل مفاهيم الحرب الحديثة، ومسألة السيادة الجوية ومسك السماء وتأمين قاعدة بيانات دقيقة للمسح الجوي و تغطية رادارية التي يطلق عليها (الكروس كفر) وهو عين الطيار في الجو، لذلك لا تزال هناك حاجة إلى وجود التحالف الدولي على مستوى الدعم اللوجستي.

وأشار الشريفي، إلى أن "وجود التحالف الدولي لا يقتصر على البعد العسكري والتعبوي فقط، وإنما هناك أبعاداً سياسية تتعلق بالمؤسسة العسكرية من التعاون المشترك والدفاع المشترك والمناورات المشتركة"، مردفاً بالقول: "عندما تكون المؤسسات العسكرية مرتبطة بتحالفات دولية و مرتبطة بجيش كالجيش الأمريكي، فهذا يعطيها ضمانات بأن ترتقي بقدرة الردع الاستراتيجي دفاعياً وهجومياً".

وضرب الشريفي مثالاً على ذلك "تهديد الإرهاب"، فهو تهديد عابر للحدود، وحينما تكون الدولة حليفة للأميركيين يعني أن آليات الانتقال لعمليات عابرة للحدود متاحة، في ظل هذا الغطاء القانوني الدولي ووجود الولايات المتحدة والتحالف الدولي، لكن بإنهاء وجودها ستخسر البلاد ذلك كله، معتبراً أن "صانع القرار السياسي، عليه وضع هذه الأمور أمامه، وعدم ارتجال هكذا قرارات ولا سيما في القرارات السيادية، لأن البلاد فيها تنوع وطني ولا بد أن تتحقق القناعات في هكذا قرارات".

وتساءل الشريفي: "المطالبة باخراج الأمريكيين ومغادرة التحالف الدولي من العراق بشكل كامل، هل تُمثّل توافقاً وطنياً وقبولاً من السنة و الكورد؟"، مستدركاً بالقول: "إذا لم تكن مقبولة فلا يحق لطرف أن يستأثر بالقرار السيادي ويفرض رأيه على الآخرين لأن الفرض يعني الإكراه، وهذا يتنافى مع قيم الديمقراطية".

من جهته، استبعد رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، إنهاء العلاقة بين بغداد وواشنطن ليس على مستوى اتفاقية الاطار الاستراتيجي فقط، بل حتى على المستوى الدبلوماسي، موضحاً خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "السوداني يدرك أهمية الولايات المتحدة الأميركية أولاً للعراق كدولة، وثانياً لمستقبل حكومته وحتى لمستقبله الشخصي".

وسيبقى إعلان السوداني، وضع أجندة لغرض الانخراط في مفاوضات لجدولة الانسحاب الأمريكي خلال مدة تتراوح من 3 إلى 5 سنوات "صعب التحقيق" لأسباب أمريكية تتعلق بالمنطقة والعالم، وفي الوقت نفسه ليس من الواضح أن يحظى هذا القرار بتوافق داخلي عراقي، وفق الشمري.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon