"الكباش السياسي" يحط ببرلمان العراق.. التشظي أمام مواجهة المحتجين

"الكباش السياسي" يحط ببرلمان العراق.. التشظي أمام مواجهة المحتجين ساحة التحرير في بغداد
2020-09-23T09:23:27+00:00

شفق نيوز/ أيام قليلة تفصل العراقيين عن تبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود، عندما يلتئم البرلمان العراقي السبت المقبل، لحسم "الكباش السياسي" حول قانون الانتخابات التشريعية، او يفشل في الانعقاد، ما ينذر بأن يفوت على العراقيين فرصة نادرة لما وصفته الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس-بلاسخارت، بـ"تجديد الحياة السياسية" في البلاد.

ومن الجهة القانونية – الفنية، ليس أمرا سهلا الاتفاق بين كتل سياسية متصارعة على قانون انتخابي جديد يتطلب منها الانتقال من اعتماد كل محافظة عراقية كدائرة انتخابية واحدة، الى تقسيم كل محافظة إلى دوائر انتخابية عدة وأصغر. 

ذلك ان تحولا كهذا، يثير لدى الكتل السياسية الكبرى، مخاوف من خسارة شرائح انتخابية كبيرة، وبالتالي خسارة البعض من ثقلها الشعبي ما ينعكس بطبيعة الحال على قوة حضورها في أروقة البرلمان. 

لكن ذلك ليس عذرا كافيا أمام جمهور الناخبين المتعطش للتغيير السياسي، خصوصا في مرحلة ما بعد اندلاع "ثورة أكتوبر" التي كشفت عن هوة ثقة واسعة بين العديد من الأحزاب التقليدية السائدة وبين المواطنين. 

ولهذا، فإن جينين هينيس-بلاسخارت كانت صريحة في مقابلتها مع وكالة شفق نيوز التي حاورتها بعد أيام قليلة على زيارتها المرجعية الاعلى لدى الشيعة السيد علي السيستاني في النجف، عندما حذرت من تداعيات عدم ذهاب العراق الى انتخابات مبكرة تتمتع بالمصداقية. 

فعندما سُئلت بلاسخارت عن طبيعة تحذيرها من انزلاق العراق إلى "منحدر خطير" وذلك عقب لقائها المرجع السيستاني، قالت "لقد تعهدت حكومة العراق بإجراء انتخابات مبكرة ذات مصداقية. وهذه استجابة لمطلب وطموح شعبي رئيسي. وقد قلنا في مناسبات عديدة وما زلنا نؤكد: إن الانتخابات يقودها العراقيون ويملكها العراقيون، ومن الأهمية بمكان وضع الأمور في نصابها الصحيح لأن الانتخابات الحرة وذات المصداقية ضرورية لبناء ثقة الجمهور، إن ثقة الجمهور بالعملية السياسية ضرورية للبلد أيضاً للمضي قدماً في العديد من الملفات الأخرى، وبعبارة أُخرى: الانتخابات ذات المصداقية هي خطوة مهمة لمعالجة شواغل الناس. والتمثيل الشعبي وتجديد الحياة السياسية ضروريان في كل ديمقراطية. والانتخابات هي شريان الحياة للديمقراطيات، فهي تحافظ على صحتها وتنشطها. لذلك فإن الانتخابات القادمة لها أهمية كبيرة. وإذا ما تم إجراؤها بالشكل الصحيح، فقد تؤذن بفترة من التقدم المتجدد". 

وفي هذه الاثناء، فان القوى السياسية تتعارك منذ أسابيع على تقسيم المحافظات العراقية ال18 الى دوائر متعددة، وسط تباينات حول حجمها وحدود كل دائرة، فيما يقترب موعد التئام مجلس النواب السبت، وفق الدعوة التي وجهها رئيس البرلمان محمد الحلبوسي على ان يكون جدول أعمالها يتضمن فقرة واحدة مخصصة لحسم نقاش التقسيم المحتمل. 

ومن المعروف ان فكرة تقسيم الدوائر الانتخابية كانت احدى ثمار حركة الاحتجاج التي يشهدها العراق منذ نحو عام، والتي يأمل كثيرون، بمن فيهم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ان تساهم في تهدئة المتظاهرين وإقناعهم بأن التغيير السياسي ممكن عبر صناديق الاقتراع، بقانون تمثيلي أفضل. ومع ذلك، فان هناك مخاوف سائدة في العراق من أن جلسة السبت قد لا تعقد من أساسها، اذا ظلت الخلافات على حدتها، حول ما يعرف باسم "المادة 15"، او اذا انعقدت الجلسة من دون تفاهمات مسبقة مرضية للغالبية، فقد يخرج النواب من الجلسة ب"خفي حنين". 

وقال الحلبوسي في بيان "أصبح لزاما إكمال الدوائر الانتخابية لإنجاز قانون عادل ومنصف لإجراء انتخابات مبكرة تلبي تطلعات الشعب وتعبر عن إرادته، لذلك أدعو القوى السياسية جميعا أن تتحمل مسؤولياتها لإنجاز القانون وحضور جلسة السبت، 26 أيلول (سبتمبر)، التي سيكون جدول أعمالها بفقرة واحدة مخصصة لإكمال الدوائر الانتخابية". 

اما النائب عن كتلة الديمقراطي الكوردستاني النيابية ديار برواري فقد قال لوكالة شفق نيوز إن "موضوع الدوائر الانتخابية معقد فنياً، بالإضافة إلى عدم  وجود إحصاء سكاني بالعراق ما يواجه صعوبة باعتمادها"، مشيراً إلى أن "القوى السياسية ترغب بالاعتماد على الدوائر الانتخابية وعددها وفق مصالحها الخاصة". 

وبين برواري، أن "رئاسة مجلس النواب ستعرض مقترحات القوى السياسية للتصويت في جلسة الأسبوع المقبل"، منوهاً إلى أن "أبرز المقترحات هو تقسيم المحافظة الانتخابية إلى ثلاث أو خمس دوائر انتخابية حسب النسبة السكانية للمحافظة". 

واذا كان من حق القوى السياسية التحسب من قانون انتخابي قد يفقدها بعض نفوذها البرلماني، فانها في المقابل، تجازف بنفسها بخسارة المزيد من التأييد شعبيا، اذا ظهرت بمظهر المعرقل لمحاولات تجديد الحياة السياسية في العراق، المثقل بمشكلات وهموم ثقيلة. 

ومن المؤذي للقوى السياسية ان تبدو أمام العراقيين، برغم المرحلة القاسية التي يمرون بها، انها منكبة على محاولة رسم خطوط الدوائر الانتخابية المتعددة على مقاسها ومصالحها الخاصة، لا على محاولة انجاح فكرة العمل من أجل انجاز تمثيل شعبي أكبر للناخبين وايصال صوتهم الى قبة البرلمان. 

وفي مقابلتها مع وكالة شفق نيوز، كانت بلاستخارت حريصة على إظهار اهتمام الامم المتحدة نفسها بالعملية الانتخابية الجديدة والحرص على تمثيل العراقيين، عندما قالت "إن الأمم المتحدة في العراق تنفذ تفويضها من خلال تقديم المشورة والمساعدة وتوفير الدعم الفني للحكومة والمؤسسات الوطنية ذات الصلة لإجراء الانتخابات. ولكي تكون الانتخابات ذات مصداقية ومقبولة لجميع العراقيين، يجب حماية استقلالية المفوضية العليا المستقلة للانتخابات من التدخل السياسي". 

ويعني ذلك ايضا ان القوى السياسية المعرقلة للقانون الانتخابي الجديد، لن تجد نفسها فقط في تعارض مهمة وأهداف مع الامم المتحدة، وانما ايضا مع رغبة السيد السيستاني ورئيس الحكومة الكاظمي الذي جعل من بين الاهداف الرئيسية لمهمته في رئاسة الحكومة، تنظيم انتخابات مبكرة عادلة ونزيه تكون أفضل تمثيلا. 

ومن جهته، قال النائب عن كتلة "التغيير" الكوردستانية غالب محمد لوكالة شفق نيوز أن إقرار قانون الانتخابات يواجه صعوبات كبيرة أبرزها الخلافات السياسية وقانون المحكمة الاتحادية، معتبرا أن "القانون لا يمكن إقراره دون اتفاق سياسي تام بين الكتل البرلمانية". 

الجانب الآخر من مشهد النقاشات السرية والعلنية التي تجري بين ممثلي الأحزاب لا يتعلق فقط بتقسيم الدوائر الانتخابية، بل يمتد ايضا ليشمل نظام التصويت نفسه وعما اذا كان سيتم بالبطاقة البايومترية او عبر البطاقات العادية التي اعتمدت في الانتخابات السابقة، كما حول طريقة التصويت المباشر أو عبر القوائم. 

النائب عن كتلة النهج الوطني مازن عبد المنعم الفيلي سلط الضوء على جانب آخر من المسألة، عندما قال لوكالة شفق نيوز مؤخرا معلقا على تشكيل الحكومة من قبل الكتلة الفائزة بحسب قانون الانتخابات الذي تجري مناقشته، "سمعنا ذلك في الإعلام، والكتلة الفائزة بالانتخابات هي من تشكل الحكومة وليس الكتلة البرلمانية الاكبر، وهذا يحتاج الى قرار حاسم من المحكمة الاتحادية لحسم الجدل والنزاعات السياسية". 

لكن الوقت يمر سريعا، فالنواب مدعوون الى جلسة السبت كامتحان جديد لمدى قدرتهم على التناغم مع تطلعات عامة العراقيين، وهذا في صلب واجباتهم البرلمانية والاخلاقية، فيما المفوضية العليا المستقلة للانتخابات سبق لها ان اكدت استعدادها للاشراف على الانتخابات المبكرة في السادس من يونيو/حزيران المقبل، بـ4 شروط، وهي إنجاز قانون الانتخابات وإكمال نصاب المحكمة الاتحادية وتهيئة الموازنة الانتخابية وتوفير الرقابة الأممية.

وبهذا الصدد اكد المتحدث باسم تحالف عراقيون، النائب حسين عرب، عن خوض القوى السياسية كافة حوارات مكثفة للاتفاق على حسم الدوائر الانتخابية.

وقال عرب، لوكالة شفق نيوز، ان "هناك عزماً سياسياً وبرلمانياً لحسم هذا الأمر خلال جلسة السبت، ولهذا هناك حوارات مكثفة، ونتوقع التصويت هو الأقرب نحو الدوائر المتعددة المتوسطة، والساعات المقبلة، سوف تشهد التوصل الى حلول نهائية بين كافة الاطراف او حتى بين غالبية تلك الاطراف ان لم تكن جميعها".

وعلى الرغم من الآمال المعلقة على الانتخابات المبكرة، الا ان هناك مخاوف أخرى من ان تؤدي النقاشات والتفاهمات الجارية حاليا أيضا الى بزوغ قانون يعزز "المحاصصة" بدل ان يضعفها، وهو ما لن يتم التثبت منه بشكل حاسم، سوى عندما تغلق صناديق الاقتراع على أسرار الناخبين في صيف ذلك اليوم من 6 حزيران المقبل.  

  

 

 

 

 



Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon